المسؤولية المالية للطفل

إن من أثقل وأهم المسؤوليات على المربين، تدريب الصغار على معرفة الدور الحقيقي للنقود في حياتنا، ومكانها الصحيح في قلب وحياة المسلم كما أراد الله تعالى له.

ويبقى مصروف الجيب الذي اعتاد الآباء والأمهات على مرّ الأجيال منحه للأبناء، عادة جيدة استطاع آباؤنا أن يغرسوا فينا من خلالها قيماً حميدة مثل الادخار والتصدق على الفقراء والإقراض الحسن، خاصةً أن المصروف كان ولا يزال مرتبطاً بالحصّالة رمز الادخار والملكية الخاصة عند الصغار.

ويستطيع الآباء والأمهات اليوم أيضاً، ورغم التغير الكبير في شكل الحياة وكثرة المغريات التي يتعرض لها الصغار في عالمهم من العاب وأصناف حلوى لا اتحصى، إضافة إلى الشكل الاستهلاكي الجذّاب الذي تُعرض فيه السلع عبر الإعلانات والدعاية-أن يَنْفُذُوا من خلال مصروف الطفل المنضبط بين الإسراف والتقتير إلى تأسيس أخلاقيات راقية لديه تجاه المال.

إن مصروف الجيب في واقع الأمر درس في السلوك يتلقاه الطفل، وهو مجال جيد لتدريبه عملياً على أخلاقيات البذل والعطاء، والتحلي بهذه القيم وتجسيدها سلوكات عملية وليس مجرد أفكار ونظريات.

وتتعزز هذه السلوكات اذا حرص الأب على سؤال أبنائه بين الحين والآخر: من تصدّق منكم اليوم بصدقة؟ ربما في المرة الأولى لن يجيبه أحد، ولكن الأبناء سيحاولون بالتأكيد تطبيق الخلق الذي يتوقعه الوالد منهم.

واخيرا لابد من لفت الانتباه الى عدد من النقاط الهامة منها:
  • أنّ الطفل يتدرب من خلال الصلاحيات التي يمنحها له الوالدان تجاه مصروفه- على حسن استخدام النقود، و القدرة على المفاضلة بين اختيارات متعددة للإنفاق،على أن يرتب الأوليات في إنفاقها
  •  الاهتمام بتعليم الطفل أن النقود التي في أيدينا مجرد وسيلة نهيئ بها لأنفسنا حياة كريمة، ونستغني بها عن الاحتياج للآخرين، ونتعفف بها عمّا في أيدي الناس،ونتقرب بإنفاقها في وجوه الخير إلى الله تعالى، وأنها ليست غاية في ذاتها. وتذكيره باستمرار أنّ الكثير من الأشياء العظيمة لا تستطيع النقود شراءها، كما أنّ هناك أشياء لا تباع ولا تقدّر بمال مثل: الفضيلة والشرف والصدق.
  •  إنّ ملكية الطفل لمصروفه، وإحساسه أنّ له مال خاص مستقل فرصة ليتدرب عملياً- بتوجيه من الوالدين- على الاقتصاد في النفقة . - أنّ توفير حاجات الطفل، وتلبية طلباته المعقولة ومنها منحه مصروف خاص به، له حرية التصرف في إنفاقه، يساعد الوالدين في تنشئته على عزة النفس ومناعة الطبع والاستغناء عن الناس، وهذا الخلق لا يمكن أن يترسخ في نفس الطفل وهو يعانى الحرمان ويشعر بالنقص تجاه الآخرين.
  • إتاحة الفرصة للطفل لاستخدام مصروفه في استكمال بعض أغراضه الشخصية من أدوات مدرسية أو حلوي أو اشتراكات مالية تطلبها المدرسة لتزيين الفصل أو إقامة احتفال رياضي أو معرض مدرسي - مع مراقبة هذا الاستخدام برفق لا يشعره بعبء التدخل الدائم في شؤونه الخاصة- من شأنه أن ينمي فيه الشخصية المستقلة والشعور الجيد بأنه شخص فعّال وإيجابي في دائرة مجتمعه الصغير.

يعدّ استخدام الوالدين زيادة مصروف الطفل وسيلة جيدة من وسائل الحفز والتشجيع على السلوك الجيد أو المكافأة على الإنجاز، وكذلك استخدم أسلوب الحرمان من المصروف أو الخصم منه وسيلة من وسائل العقاب التي تجدي كثيراً مع الأبناء.

زيادة مصروف الطفل بلا ضابط تكون وبالاً عليه خاصة في كبره، على الرغم من أن الآباء والأمهات، وأحيانا الأجداد والجدات قد يقعون في هذا الأمر بدافع من الحب الجارف للطفل، أو لسبب مؤلم يتعلق به مثل اليتم أو المرض أو الإعاقة، ولكن الإغداق المادي على الطفل وتلبية جميع رغباته ليس هو المرادف الصحيح لحبنا الصادق له ورغبتنا الحقيقية في إسعاده، فهذا الأسلوب فى التعبير عن الحب، لا يبني شخصية الطفل بطريقة إيجابية، إذ يضعف التدليل إحساسه بالمسئولية، ويدفعه إلى التفكير في ذاته فقط، أي ينتج طفلاً أنانياً، لا يعرف سوى أنّ طلباته واجبة النفاذ.

كما أن الإفراط في العطاء المادي له، قد يدفعه إلى السرقة إذا لم تتحقق رغباته عندما يكبر، ويرتفع ثمن ما يرغب فيه من أشياء، ويجد الوالدان صعوبة في الاستجابة لها مادياً.

إذن، علينا كآباء أن نضع حدوداً لرغبات أطفالنا، وللعطاء المادي لهم المتمثل في المصروف اليومي، وعلينا أيضاً أن نتوقع أن الأبناء لن يسعدوا بهذه الحدود، وقد يضيقوا بها ذرعاً، وذلك أمر طبيعي ومؤقت سرعان ما يزول...

وتبقى القيمة الجيدة التي غرسناها في نفسه الصغيرة

والمعروف الذي درّبناه على أدائه بطريقة عملية

والفرحة التي أدخلناها على قلبه الصغير

والعزة والكرامة التي تولدت ونمت في نفسه.